[u]دبلوماسية الرئيس السوري ,والغرب يشهدون ذلك[/u]
باريس ..
أمتار قليلة تفصل قصر الاليزيه في باريس عن فندق البريستول مقر إقامة الرئيس الاسد الذي انهى محادثات مع نظيره الفرنسي وصفتها المصادر السورية والفرنسية بالممتازة ، كنت اعبر المسافة بتمهل فقد شدني شريط غني ومؤلم من الذكريات منذ قرر بائعوا الوهم رشق سورية وادارتها باتهامات باطلة لتصدير الجزع والخوف الى قلوب اهلها واستثمار ذلك في واحدة من اقسى وابشع عمليات الحرب النفسية القذرة والظالمة وصولا الى اليوم الذي كان فيه الرئيس الاسد هنا في باريس قبل ستة عشر شهرا ( ١٣ و١٤ تموز ٢٠٠٨ ) في محطة مصارحة مع هذا الغرب الذي بدا لنا وقتذاك انه لايستعمل عينيه ولا اذنيه وقد اغلق عقله عن كل منطق يتعلق بسورية تحت وابل من القصف الاعلامي والسياسي الهمجي المركز ، ومن ثم الى ما بعد ذلك اي الى هذه الساعة التي تتوج نظرات الاعجاب الفرنسية بهذا الربان السوري الذي يقود سفينة بلاده بكل براعة وشجاعة وسط كل هذه الانواء العاتية .وها هو الآن يقف مجددا في قصر الاليزيه ليضع النقاط السورية على الاحرف الدولية ويضخ في عروقها المعنى وقد خسرته عندما خلعت مدلولاتها وماتكتنز ، ها هو يسمى الاشياء باسمائها ولا يساوم ،...تمهل عزيزي القارئ انا لم اقل ان السياسة السورية نجحت لأن في هذا ظلم كبير لرجل ابدع في البصر والبصيرة والصبر والارادة والتمسك بحقوق بلاده وامته رغم مكنات التضليل العملاقة التي ادارها الشياطين بكل قواها وبشاعاتها .. كلمة نجاح هنا هي بالتآكيد اقل مما حدث لأن الذي ادار هذه المعركة الضارية وحافظ على امن وامان سورية ومكانتها واعاد لها دورها الذي ارادوا سرقته او تهميشه ورغم ذلك كسب احترام العالم في اربع رياح الارض من غير ان يخسر محبة وثقة اهله وشعبه ومن غير ان تمس الحقوق المقدسة وبديهات الوطن ، انما صنع الابداع وليس النجاح فحسب ..كانت مانشيتات الصحف تلك الايام تحمل كل سموم الارض وفبركاتها وخزعبلاتها وكان الاسد صاحب الرؤية البعيدة والموقف الشجاع ،كان الاسد الربان الواثق من عدالة قضية بلاده وامته يمسك الدفة ويعيد التوازن الى السفينة ويضخ الطمأنينة بين الناس الذين اصابهم الهلع ببعض سهامه ..كان يستحضر العنقاء ليستولد الثقة من الرماد وينفخ فيها من روح الارادة كي لا تخبو الشعلة ، اليوم لاتفيد حماستي في الحديث عن مكانة بلادي وكبريائها امام ماقاله الرئيس الفرنسي ساركوزي وهو يخاطب الاسد قائلا "لو كان لي أن أتخذ القرار الاستراتيجي بالانفتاح على سورية مجددا لفعلت ذلك" راغباً بتأكيد "مستوى الثقة العالية" التي وصلت إليه العاصمتان في مقاربتهما للقضايا الدولية المشتركة . ويضيف ساركوزي مستويا في مقعده في القاعة الرئاسية في الأليزيه "سيادة الرئيس كنتم شريكا موثوقا واحترمتم دائما وعودكم والتزاماتكم "، موزعا نظره بين الوفدين الرئاسيين السوري والفرنسي أنني " كنت دائما أعلق أهمية كبيرة على دور سورية ، ولي ثقة كاملة بكم وهذا لا يعني أننا نتفق على كل شيء ولكن نستطيع أن نناقش كل شيء ونتحاور في وجهات النظر" . اذا طوى الاسد صفحة العزل والحصار التي اعمت بصيرة بعض اهلنا العرب بل ساهم بعضهم في تأجيج نارها ..طواها وحول ببراعة المشهد السوري - الفرنسي من حالة الشكوك المتبادلة والسلبية البائسة الى حالة التفاهم والعمل كفريق واحد لفك طلاسم الحرائق المشتعلة في كل حدب وصوب من هذا الشرق البائس والموعود دائما بالدم والكوارث ، وما يقال على الجبهة الفرنسية - السورية يقال ايضا على الجبهة السورية الاوربية باستثناء بعض الدول التي تعتقد انها تتذاكى وتتشاطر في الساحات التي لاتحتمل التشاطر مثل هولندا وتشيكيا على سبيل المثال ..ولي - بل لنا - ان نفخر بان هذه المعركة الضارية الذي امتدت طوال سنوات وسنوات منذ ساعة الشؤم وذروة خريف الامة عندما احتلت بغداد الى هذا اليوم الباريسي الجميل لم تلجأ مكنة السياسة السورية ولو للحظة واحدة الى المناورة او المراوغة بل تمسكت بأسسها العادلة وببعدها الاخلاقي رغم اكلافه الباهظة ، من هنا نفهم - مثلاً - اصرار الرئيس الاسد على التمسك بالدور التركي في عملية السلام ، بل التقدير والاعتزاز بهذا الدور الذي شكل حالة تستحق الاحترام ، وهو بهذا يبجل الصديق ويثني على اخلاصه وصدقه وموضوعيته ، وعندما سآله احد الزملاء الصحفيين في قصر الاليزيه حول الدور الذي يمكن أن تقوم به فرنسا على المسار السوري قال الرئيس الأسد: "مبدئيا هو دعم الدور التركي واقناع اسرائيل بالالتزام بالوساطة التركية" ولا يحتاج هذا القول الى شروحات .. وعلى التوازي يشرح الاسد لمضيفه الفرنسي موقف ايران وحقها في الدخول الى عالم الاستخدام السلمي للطاقة النووية وهذا جانب اخر يؤكد ويبرهن على البعد الاخلاقي الذي يميز السياسة السورية من غير ان تمس الحقوق والأسس ، نعم السياسة في عالم اليوم ترسم وفق المصالح ولكن السياسة السورية لاتغفل الجانب الاخلاقي ابدا وهذه حقيقة وان اراد البعض طمس معالمها ...
امتار قليلة تفصل بين قصر الاليزيه في باريس وفندق البريستول ، كنت اعبر المسافة بتمهل ولكن بفرح . فقد استمعت قبل قليل الى صوت الضمير و هو يضع النقاط السورية على الاحرف الدولية للتأكيد على انه في اخر المطاف : لا يصح الا الصحيح ..
ملاحظة : الاسد مجددا في الاليزيه ينقل العلاقة مع ساركوزي من سوء الفهم والشكوك المتبادلة الى العمل معا من اجل استقرار الشرق الاوسط..وياللمصادفة شيراك في هذا الوقت يغرق في الفضائح ويستعد للمثول امام القضاء ... الوزير الفرنسي شارل باسكوا قدم امس للصحافة الفرنسية كنزه من المعلومات عن فساد شيراك : على صبيان السياسة والكتبة المستأجرين في باريس ولبنان وسائر المشرق ان يتذكروا ان الله كبير .
شام برس