[b]مهما
بلغ الإنسان من القوّة والنشاط فلابدّ له أن يأوي إلى فراشه أخيراً ، وهذه
ضرورةٌ لا يمكن الاستغناء عنها ، فالنوم فرصةٌ تتيح للجسد الراحة
والاسترخاء ، وللفكر أن يبتعد قليلاً عن مطارق الهواجس والخواطر التي ترهق
العقل وتشغل البال ، وهو السكون الذي امتنّ الله به على عباده في قوله
تعالى : { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه
والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون } ( يونس : 67 ) وقوله
تعالى : { وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم
سباتا وجعل النهار نشورا } ( الفرقان : 47 ) .
وجوانب القدوة والأسوة
في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم – امتدّت لتشمل هديه في نومه واستيقاظه
، فقد أحاط عليه الصلاة والسلام هذه الحاجة الإنسانية بجملة من الآداب ،
ورتّب عليها عددا من الأحكام .
وفي هذه الآداب وتلك
الأحكام يظهر حرص النبي – صلى الله عليه وسلم - على ربط المسلم بخالقه في
كل الأحوال ، فعندما كان عليه الصلاة والسلام يريد أن يعطي جسده حقه من
الراحة بعد عناء نهار طويل يستحضر عظمة الله ، ويستذكر جملة النعم التي
أنعم الله بها عليه في يومه وليلته ، ويظهر ذلك من قوله عليه الصلاة
والسلام عندما يأوي إلى فراشه ( الحمد لله الذي
أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي) رواه
مسلم فهي ألوانٌ من النعم المستوجبة للحمد والشكر لمعطيها ومانحها .
وكذلك كان - صلى الله
عليه وسلم – إذا أسلم النفس لراحتها ذكَّرها بأن أمرها أولاً وآخراً بيد
بارئها لا بيد أحدٍ غيره، فيقول داعياً: ( اللهم
أسلمت نفسي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رهبة ورغبة إليك ،
لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبنبيك الذي
أرسلت ) متفق عليه ، وقد علّم النبي عليه الصلاة والسلام البراء بن
عازب رضي الله عنه هذا الدعاء وأمره أن يجعله آخر ما يتكلّم به ، وبشّر
قائلها أن من مات على تلك الحال بأنه يموت على الفطرة كما جاء في نص الحديث
.
وفي هذا الدعاء بيان
للحال الذي على المسلم أن يكون عليها وهو على فراش نومه ، إنه حال
الاستسلام والتسليم إلى خالق النفس وبارئها، وقريب من هذا الدعاء دعائه -
صلى الله عليه وسلم - على تلك الحال بقوله : (باسمك
ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها
بما تحفظ به عبادك الصالحين ) متفق عليه.
وهناك العديد من
الأذكار والأدعية التي جاءت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل النوم ،
منها قوله : ( اللهم اغفر لي ذنبي ، وأخسئ شيطاني ،
وفك رهاني ، واجعلني في الندي الأعلى ) كما ثبت في سنن أبي داود .
ومن الأدعية الواردة
كذلك عند النوم ، قوله – صلى الله عليه وسلم –: ( اللهم
رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب
والنوى ، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ
بناصيته ، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ،
وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين
وأغننا من الفقر ) رواه مسلم .
كذلك كان من هديه - صلى
الله عليه وسلم – بعد الوضوء والاستعداد للنوم أن يجمع كفيه ، وينفث فيهما
قارئاً سور الإخلاص والمعوّذتين ، ثم يمسح بكفّيه ما وصل إليه من جسده ،
وبعد ذلك يضع يده تحت خده الأيمن ثم يدعو ثلاث مرّات : ( اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك) رواه أبو داود
وأحمد .
وفي سياق أحاديث
نبويّةٍ أخرى ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قراءة سور أخرى من
القرآن الكريم ، كسورة الملك وسورة السجدة ، وسورة الإسراء والزمر ، وآخر
آيتين من سورة البقرة ، و"المسبّحات" وهي سور الحديد والحشر ، والصف
والجمعة ، والتغابن و الأعلى .
ومن الأذكار الواردة
كذلك التسبيح والتكبير والتحميد ، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -
علياً وفاطمة رضي الله عنهما إذا جلسا على الفراش أن يكبّرا أربعا وثلاثين ،
ويسبحا ثلاثا وثلاثين ، ويحمدا ثلاثا وثلاثين ، متفق عليه .
وفي المقابل جاء النهي
عن النوم في أوضاعٍ معيّنة لمشابهتها لأحوال المعذّبين يوم القيامة ، ومن
ذلك النوم على البطن ، فقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً
مضطجعاً على بطنه فقال : ( إن هذه ضجعة لا يحبها الله ) رواه الترمذي ، وفي
رواية ابن ماجة : ( إنما هذه ضجعة أهل النار ) .
وأرشد النبي – صلى الله
عليه وسلم – الناس إلى بعض التدابير الاحتياطيّة قبل الذهاب إلى النوم ،
من إطفاء السرج وإغلاق الآنية وإخماد النيران ، حمايةً للبيوت من خطر بعض
الهوام والحيوانات الصغيرة التي قد تعبث بمتاع الناس أو تكون سبباً في
اشتعال الحرائق ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (
لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون ) متفق عليه ، وقال - صلى
الله عليه وسلم - : ( أغلقوا الباب ، وأوكئوا
السقاء ، وأكفئوا الإناء أو خمّروا الإناء – أي : قوموا بتغطيته - ،
وأطفئوا المصباح ؛ فإن الشيطان لا يفتح غلقا – أي بابا مغلقا - ولا يحلّ
وكاء ، ولا يكشف آنية ، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم) رواه
الترمذي ،ويقصد بالفويسقة الفأرة .
ومن هذه التدابير
الواقية التي جاء الأمر بها : غسل اليدين قبل النوم إذا كان بهما شيءٌ من
بقايا الطعام ، ويؤكّد النبي – صلى الله عليه وسلم - على ذلك بقوله: ( من نام وبيده غمر – أي دسومة وشحم - قبل أن يغسله
فأصابه شيء فلا يلومنّ إلا نفسه ) رواه البخاري في الأدب المفرد .
وإذا استيقظ الإنسان
أثناء نومه فزعاً ، فعليه أن يقول : ( أعوذ بكلمات
الله التامات ، من غضبه وعقابه وشر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون
) كما ثبت بذلك الحديث في مسند الإمام أحمد .
ومن خصوصيّات النبي -
صلى الله عليه وسلم – أنه كانت تنام عينه ولا ينام قلبه ، وذلك لحضور قلبه
ودوام استشعاره عليه الصلاة والسلام لعظمة خالقه وبارئه .
أما حاله - صلى الله
عليه وسلم – عند الاستيقاظ من النوم فكان كحاله قبله ، دوام ذكرٍ ومزيد
شكرٍ للخالق سبحانه وتعالى على نعمة الحياة بعد الممات ، فكان يقول : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور
) رواه أبوداود .
ولما كان من طبيعة
النائم عدم التحكّم في تصرّفاته جاء الأمر بغسل اليدين قبل الوضوء أو
استخدام الآنية لإزالة ما قد يكون أصابها من نجاسة حال النوم ، فعن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في
وضوئه ؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) متفق عليه .
ومن السنّة أيضاً نوم
القيلولة ، وهو الاستراحة في نصف النهار ، وذلك في حديث النبي – صلى الله
عليه وسلم - : ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ) رواه الطبراني .
وبعد : فهذه إشراقةٌ من
هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في نومه ويقظته ، جاءت لتؤكّد أن حياته
عليه الصلاة والسلام لم تخلُ في لحظة من لحظاتها ، أو حالة من حالاتها ، من
ذكر الله سبحانه وتعالى ، والتعلّق به ، وتفويض الأمر إليه .
المصدر : شبكة اسلام ويب[/b]