فولفجانج مونشو
في 11 شباط (فبراير) الجاري كان الزعماء الأوروبيون يناقشون تهديد عجز وفاء بالالتزامات على مستوى الدول في منطقة اليورو. وفي اليوم التالي اقترحت ورقة عمل شارك في إعدادها كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي أن ترفع البنوك المركزية هدفها التضخمي من 2 إلى 4 في المائة*. ويجب ألا نفاجأ بأن نرى أولئك المولعين بنظريات المؤامرة وهم يبدأون في رؤية أن العالم سيتعامل مع الزيادة في ديون القطاعين الخاص والعام مباشرة من خلال الانكماش، وبصورة غير مباشرة من خلال التضخم، أو من خلال الاثنين. أما أنا، فلا أعتقد أن هذه هي الكيفية التي سيحدث بها تقليص الديون، لكنني قلق فيما يتعلق باستعداد الاقتصاد الكلي لتبني التضخم الأعلى علاجا سريعا.
الحجة في ذلك كما يلي: خلال الأزمة الأخيرة بلغت البنوك المركزية حد الصفر فيما يتعلق بأسعار الفائدة. ولو كان التضخم وأسعار الفائدة الاسمية أعلى، لكان المجال أمام تخفيض الفائدة أوسع ولكانت السياسة النقدية أكثر فاعلية.
لا أتفق مع الاستنتاج، وإن اتفقت مع إحدى المقدمات، وهي أن السياسة المالية الاختيارية كانت مخيبة للآمال أثناء الأزمة. كانت صفقات التحفيز المالي متأخرة في معظم البلدان، إضافة إلى ضعف تنسيقها، كما كانت هيكلية للغاية. وأوافق على أن السياسة النقدية هي الأداة الأفضل لمكافحة الأزمات. غير أن ذلك لا يعني أننا بحاجة إلى أهداف تضخم أعلى.
ديفيد ألتج، مدير البحث في الاحتياطي الفيدرالي في أطلنطا، يرى أن مشكلة مستوى الفائدة الصفرية ليست بتلك الضخامة التي كان يعتقدها بعض الاقتصاديين**. وفي ظل التعافي الحالي للنشاطات الاقتصادية، ليس من الواضح على الإطلاق أن سياسة الاحتياطي الفيدرالي المتعلقة بأسعار الفائدة كانت مقيدة بهذه الدرجة. ولذلك، ألتج يجادل بأن رفع هدف التضخم يمكن أن يكون حلاً للمشكلة المبالغ فيها.
يمكنني أن أضيف ثلاثة انتقادات. أولها، الصدقية. إننا نأخذ من قبيل الأمور المسلّم بها أن الناس يثقون في قدرة بنوكهم المركزية على تحقيق تضخم متدن. ولهذه الصدقية مكونان هما أننا نثق بالبنوك المركزية كجهات قادرة على تحقيق أهدافها، كما نثق بقدرتها على تغيير الهدف متى ما أصبح ذلك ملائماً. وإذا كانت البنوك المركزية سترفع الهدف من 2 إلى 4 في المائة، فليست هناك ضمانة بأن الجمهور سيثق بأنها لن تغيره مرة أخرى.
حجتي الثانية تتعلق بكيفية تفاعل مثل هذه السياسة مع الأسواق المالية التي لا يحسب حسابها في النماذج الحديثة للاقتصاد الكلي. ويمكن أن يتمثل رد فعل أسواق السندات على زيادة هدف التضخم في دفع الفوائد في الأسواق إلى مستويات تجعل تحقيقه أمراً مستحيلاً. وربما ترتفع عوائد السندات، الأمر الذي يزيد من احتمالات العجز لدى كيانات القطاعين الخاص والعام. وربما يؤدي ذلك إلى إطلاق الكارثة المالية التي اعتقدنا أننا اقتربنا من تجنبها.
الأمر الثالث هو أن أي تبنٍ لهدف تضخم أعلى يمكن ألا يكون متسقاً. ويمكنني أن أتوقع أن الولايات المتحدة، وبدرجة أقل المملكة المتحدة، تغريان بسلوك هذا السبيل. ولا يمكنني أن أرى كيف يمكن لمنطقة اليورو أن تتبع ذلك دون أن تتفكك.
مضت ألمانيا في هذا السبيل إلى أقصى ما يمكنها سياسياً ودستورياً، وذلك بقبولها إضعافاً لهيكل استقرار منطقة اليورو حين قبلت، على الأقل من حيث المبدأ، بإمكانية حدوث عمليات إنقاذ متعددة الجوانب. ولن تقبل ألمانيا أبداً بزيادة في هدف التضخم. والأغلب أن تأخذ المحكمة الدستورية الألمانية بوجهة النظر التي تقول إن ذلك سيكون مخالفة للقاعدة التعاقدية للاتحاد النقدي. واستناداً إلى حكم صادر عام 1993، يمكن أن تعلن المحكمة أن عضوية ألمانيا في منطقة اليورو باطلة من الناحية القانونية. وليس هناك من احتمال لأن يخاطر البنك المركزي الأوروبي بالوصول لمثل هذه النتيجة.
إن عدم الاتساق يجب كذلك أن يكون تحذيراً للمدافعين عن اليورو، الذين يعتقدون أن مشاكل اليونان التي تكاد تكون مكوناً غير مرئي في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، تستحق تعديلاً كبيراً في سعر الصرف بين اليورو والدولار. وإذا رفع الاحتياطي الفيدرالي هدف التضخم إلى 4 في المائة، بينما أبقى البنك المركزي الأوروبي على هدفه المتمثل في 2 في المائة، أو نحو ذلك، فإن هذا الرأي يمكن أن ينقلب رأساً على عقب.
المشكلة الأساسية هي أن الاقتصاديين الكليين يعاملون التضخم وكأنه عامل متغير، بينما لا يرى معظمنا ذلك. إن استقرار الأسعار مكون حيوي في العقد الاجتماعي الذي نسميه الأموال. ونحن نقبل بالأموال وسيلة للدفع، ووحدة للحساب. والجانب الأهم في هذا السياق أننا نقبل بها مستودعا للقيمة. ونحن نثق بأن البنك المركزي لا يعمل على زعزعتها. والمشكلة هنا ليست مخالفة لمعدل معين من التضخم، بل إنها الحقيقة البسيطة ممثلة في أن التضخم يعتبر هنا عاملاً متغيراً يُعْبَثُ به في المقام الأول.
إن أحد الدروس الكثيرة للأزمة أن نماذج الاقتصاد الكلي الحديث لا يمكن الاعتماد عليها لتقديم هيكل للتعامل مع المشاكل الحقيقية للاقتصاد الكلي لعالم تسوده العولمة، ولديه أسواق مالية كبرى. وإلى أن يجد اقتصاديو الاقتصاد الكلي طريقة لإدماج مفاهيم مثل العجز والفقاعات في أطرهم، من الصعب تصور مساهمتهم المفيدة في جدل السياسات. ونتيجة لذلك، علينا أن نعامل النصيحة القائلة بزيادة هدف التضخم بدرجة عالية من الحذر