هم ملوك إمارة عربية هي (مملكة الحيرة) تضاربت الآراء في نسب هذه المملكة العربية فتارة تنسب
إلى تنوخ وتارة تنسب إلى لخم، ويسمى ملوكها(آل نصر) و (آل لخم) و ( آل محرق) و(آل نعمان) و
(آل عدى) كانوا في بدايتهم ينزلون في الخيام، ثم تحولوا إلى قرية في الجنوب الشرقي من النجف
الحالية، كانت تقع في منطقة خصبة يرويها نهر الفرات.
وقيل كانت العرب تسمى بني المنذر الملوك (الاشاهب) لجمالهم.
نصبهم الساسانيون ليحموهم من غارات البدو وليساعدوهم في حروبهم ضد الرومان والبيزنطيون
و أحلافهم من الغساسنة عرب الشام.
مالك بن فهم:
قيل أن مالك بن فهم تملك تنوخ العراق في زمان ملوك الطوائف، وانه كان بالانبار، وان منزله كان
بالانبار، وانه بقي بها إلى أن رماه ابنه سليمة بن مالك بن فهم رميه بالنبل، وهو لا يعرفه. فلما علم أن سليمة راميه، قال
:
جزاني لا جزاه الله خيراً **** سليمة إنه شراً جزاني
اعلمه الرماية كل يوم **** فلما اشتد ساعده رماني
فلما قال هذين البيتين فاظ - أي مات- ، وهرب سليمة . هرب إلى عمان.
حكم بعده (مالك بن فهم) أخوه عمرو بن فهم على رواية ، و جذيمة الأبرش المعروف بجذيمة الوضاح
أيضاً على رواية أخرى . ولا نعرف من أمر عمرو هذا شيئاً يذكر.
جذيمة الأبرش:
قيل أن جذيمة الأبرش من أوائل ملوك تنوخ وقد قيل إنه كان به برص ، فكنت العرب عنه وهابت العرب
أن تسميه به ، وتنسب إليه، إعظاما له، فقيل: جذيمة الوضاح وجذيمة الأبرش. ووصفوه بأنه ثاقب
الراى بعيد المغار شديد النكاية ، ظاهر الحزم ، وأول من غزا الجيوش، فشن الغارات على القبائل.
وليس من الضروري التسليم بحرفيات هذه الأوصاف. ثم جعلوا نهايته على مكيدة دبرتها له ملكة تدمر.
عمرو بن عدى:
يقال أن سأبور (241-272) هو الذي نصب عمرو بن عدى، وتتابع بعده خلفاؤه من بيته، وربما كان
ابنه امرؤ القيس يدين بالولاء للفرس والروم جميعاً. أما من خلفوه فكانوا يدينون بهذا الولاء للفرس وحدهم .
النعمان الأعور:
النعمان الأعور أو النعمان السائح، من أهم ملوك الحيرة الذين يدينون بالولاء للفرس، كان له جيش
يتألف من كتيبتين هما الشهباء والدوسر، واشتهر ببناء قصري الخور نق والسدير، وقد أرسل يزدجر
الأول ( 388-418م) ابنه بهرام جور إلى النعمان كي يربيه في ظاهر الحيرة ،فرباه مع ولده المنذر،
وقيل انه أدبه بآداب العرب ، وكانت فرصة ذهبية لتقارب البيتين الحاكمين. ولما توفي يزدجر أرد
الفرس إقصاءه عن العرش فتدخل النعمان، وأيده بجيش مكنه من استرداد عرشه ، فأعلى ذلك من
شأن المناذرة والحيرة . وهيأ لها موقعها في طرق القوافل أن كانت مركزاً مهماً للتجارة، فعاش
المناذرة عيشة يسودها قليل من الترف، بسبب التجارة التي كانوا يشاركون فيها وبسبب ما كان عندهم
من حياة زراعية . فكانوا أكثر حضارة ورقياً من غساسنة الشام.
المنذر بن ماء السماء:
المنذر بن ماء السماء( 514-554م) يعتبر عصره من ازهي عصور المناذرة، ساءت العلاقات بينه
وبين قباذ ملك الفرس في أوائل حكمه، ذلك أن قباذ اعتنق المزدكية واتخذها ديناً للدولة وحاول أن
يفرضها على المناذرة فأبي، فعزله وولي مكانه الحارث بن عمرو أمير كندة، ولكن الأمور سرعان ما
تطورت فتوفي قباذ ، وخلفه كسرى أنشروان وكان يكره المزدكية و المزدكيين ، فأعاد المنذر إلى حكم
الحيرة، وحدثت بينه وبين الحارث الكندي وأبنائه سلسة حروب قضت عليهم جميعاً.
دان معظم القبائل في الجزيرة للمنذر بالولاء ، وامتد سلطانه إلى عمان . وقاد عندما عاد إلى حكمه
سنة 529م حروباً طاحنة ضد الغساسنة والبيزنطيين كتب له النصر في كثير منها . واشتهر بين العرب
أن له يومين : يوم النعيم و يوم البؤس ، فإذا طلع عليه احد في اليوم الأول يعطيه مائة من الإبل ،
وأول من يطلع عليه في اليوم الثاني يقتله، ويقال أن سبب ذلك هو انه قتل وهو ثمل نديمين له، فلما
صحا من سكره وعرف ما قدمت يداه ندم وأمر ببناء صومعتين عليهما، وهما الغَرِيان اللذين يذكران في
أشعار العرب . وقد يكون هذا كله من الأسطورة.
قتل المنذر في يوم حليمة وكان بينه وبين الغساسنة.
عمرو بن هند:
خلف المنذر بن ماء السماء (554-569) ينسب إلى أمه. وقيل إلى دير هند في الحيرة، كانت أمه
نصرانية، أما هو فكان وثنياً على دين أبائه، لقبه العرب بالمحرق لأنه نذر أن يقتل مائة رجل من تميم
حرقاً وبر بنذره في يوم أواره باليمامة . امتد سلطانه على قبائل كثيرة في شرقي نجد وشمالها وغربيها،
وكان بحكم استبداده يتعرض له كثير من الشعراء بالهجاء ، كانت الحيرة في عهده مركزاً أدبيا مزدهراً
، وكان يجزل العطاء للشعراء ،و لقي عمرو بن هند مصرعه على يد عمرو بن كلثوم التغلبي ثارا
لكرامة أمه ليلى حين أهينت في بيته.
تولي بعده أمر الحيرة قابوس ثم المنذر الرابع، ولم تطل مدتهما ، ثم النعمان الثالث ابن المنذر الرابع.
النعمان بن المنذر:
النعمان بن المنذر(580-602م) أخر ملوك المناذرة. وقد نشأ في حجر أسرة مسيحية أسرة عدى بن
زيد العبادي، ولعل ذلك سبب تنصره فهو من ملوك الحيرة الوثنيين. وكان سلطانه يمتد إلى البحرين
وعمان ، وكانت له قوافل تجارية أو لطائم تجوب الجزيرة . وسار سيرة عمرو بن هند في رعايته
للشعراء ولم يكن سهل القياد، قتل عدى بن زيد فضاق به كسرى الثاني ملك الفرس.
واستدرجه إلى حضرته بالمدائن ، وألقاه في غيابة السجن، ثم قتله، ويقال انه رمى به تحت أرجل الفيلة
فمزقته أربا . ولم يول الفرس بعده أحدا من هذا البيت فقد نصبوا على الحيرة إياس بن قبيصة الطائي،
وثارت قبيلة بكر حميه للنعمان على إياس والفرس وهزمتهما شر هزيمة في يوم ذي قار وبقيت الأمور
مضطربة حتى استولى على الحيرة خالد بن الوليد سنة 633م.
وظلت أيام ملوك الحيرة مجالا خصباً لرواة العرب يمزجون فيها بين الواقع وبين الخيال، نظراً لما تواتر
إليهم عن تراثهم ورفاهيتهم وقوة جيوشهم وقوافلهم، واتصالاتهم بالدولتين الكبيرتين دولة الفرس
بالتبعية ودولة الروم بالعداء، وهي صفات لم يكن ينافسهم فيها من ملوك العرب الشماليين أكثر من ملوك بني غسان.