سؤال : ما هو معنى البرزخ ، و ما هي حقيقة عالم
البرزخ ؟
جواب : لمعرفة معنى " البرزخ " لا بُدَّ و إن نعرف المعنى اللغوي له أولاً ،
و إذا ما راجعنا كتب اللغة و جدنا أن " البرزخ " هو : الحاجز بين الشيئين ،
و المانع من اختلاطهما و امتزاجهما [1] .
و لقد جاء ذكر البرزخ في القرآن الكريم في مواضع ثلاث كلها بالمعنى المتقدم
، أما الآيات فهي :
1. قال الله تعالى في القرآن الكريم : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ
يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ } [2] .
2. و قال تعالى أيضاً : { و جعل بينهما برزخاً و حجراً محجوراً } [3] .
3. و قال عَزَّ و جَلَّ أيضاً : { ... وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [4] .
ثم إن القرآن الكريم استعمل هذه اللفظة لبيان أن هناك عالَماً آخراً يفصل
بين الدنيا و الآخرة يمرُّ به الإنسان ، إذ قال : " و من و رائهم برزخ ... "
.
و الأحاديث الشريفة على غرار هذه الآية تؤكد على أن " البرزخ " هو الوقت
الفاصل بين حياة الإنسان في عالم الدنيا و بين نشأته في عالم الآخرة ، أي
من وقت موته إلى حين بعثه في يوم القيامة .
و في ما يلي نشير إلى بعض الأحاديث التي ذكرت البرزخ :
1. عَنْ عَمْرِو بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (
عليه السَّلام ) ... و مَا الْبَرْزَخُ ؟ قَالَ : " الْقَبْرُ مُنْذُ حِينِ
مَوْتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " [5] .
2. و قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " البرزخ : القبر ، و هو
الثواب بين الدنيا و الآخرة " [6] .
و الرؤية الإسلامية بالنسبة إلى عالم البرزخ هي أن الموت ليس نهاية الحياة ،
و إن الحياة لا تنعدم بالموت ، بل الإنسان ينتقل بواسطة الموت من نشأةٍ
إلى أخرى ، و من حياةٍ في عالم الدنيا إلى حياة في عالم آخر يسمى بعالم
البرزخ ، الذي يتوسط عالمي الدنيا و الآخرة .
أما بالنسبة إلى حقيقة عالم البرزخ فيجب أن نقول : إن حقيقته غير واضحة و
لا نعلم عنه شيئاً كثيرا إلا ما لمّحت به الآيات الكريمة و الأحاديث
الشريفة ، و التي يمكن تلخيصها في نقاط كالتالي :
1. إن الحياة البرزخية حياةٌ تتوسط حياة الإنسان في عالم الدنيا و حياته في
عالم الآخرة ، و تبدأ الحياة البرزخية من حين قبض روح الإنسان عن بدنه و
إيداعه القبر ، و تستمر حتى قيام الساعة .
2. أن الميت ما أن يُودع في قبره حتى يتلقاه الملكان نكير و منكر و يسألونه
، فإذا كان الميت صالحاً أُكرم و أُنعم ، و أما لو كان طالحاً فيعذب .
3. يصف الله سبحانه و تعالى الحياة البرزخية للكافرين و المجرمين لا سيما
آل فرعون بقوله : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ
} [7] ، فالآية تحكي عن أن آل فرعون يعرضون على النار صباحا و مساءً قبل
يوم القيامة ، و أما بعدها فيقحمون في النار ، لقول الله تعالى " و يوم
تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " .
4. إن الحياة البرزخية للشهداء فيصفها الله تعالى بقوله : { وَلاَ
تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء
وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } [8] ، و في آية أخرى يصف حالة الشهداء في
الحياة البرزخية بأنها حالة فرح و سرور حيث يقول : { فَرِحِينَ بِمَا
آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ } [9] .
5. إن حالة النعيم التي يعيشها المؤمنون في الحياة البرزخية رغم أهميتها و
كونها من قبيل نعم الجنة ، لكنها لا تصل إلى مستوى تلك النعم ، كذلك عذاب
العصاة و الكافرين من أهل البرزخ رغم كونه عذاباً أليماً إلا أنه بالقياس
إلى ما سيلاقونه من عذاب الآخرة في نار جهنم لا يُعدّ شيئاً .
6. إن حالة البرزخ تتناسب مع عمل الإنسان ، فان كان صالحاً كانت حالته في
البرزخ جيدة ، و إن كان فاسداً كانت حياته البرزخية شديدة ، و إلى ذلك أشار
الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) بقوله : " ... إِنَّ لِلْقَبْرِ كَلَاماً
فِي كُلِّ يَوْمٍ ، يَقُولُ أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ ، أَنَا بَيْتُ
الْوَحْشَةِ ، أَنَا بَيْتُ الدُّودِ ، أَنَا الْقَبْرُ ، أَنَا رَوْضَةٌ
مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ " [10] .