أن تصيبكَ صاعقةٌ منَ السماءِ أو زلزلةٌ من الأرضِ أهونُ على نفسكَ -فيما أرى - من نظرة غضبٍ يبعثها أحدُ أبويكَ تجاهكَ بسبب جفوةٍ نتنة، أو أفأفةٍ مُحرقةٍ، أو لمحة مقيتةٍ تتفجّر منكَ في ثانية غامضةٍ يغلّفها الجهل والتجرؤ ...
ذلكَ أن ألمَ الجسدِ وجراحاته وإعاقاته - في ميزان المكاسب والخسائر - سيكونُ ألذّ من تفتّت الروحِ وتكسّرها كزجاجةٍ لا تجبرُ أبداً، إذ إنّ غضبَ السّماء يترقّب العاقَّ ترقبَ من لا تُخطئ رميتهُ، ولا تَزلّ قَنصتهُ، ولاَتَحضرُ رأفتهْ ..
وبرُّ الوالدينِ ثقافة إنسانية فطرية تتسق مع الطينةِ السليمةِ، فهيّ شكر إحسانٍ وردُّ جميلْ، وهل يَجحدُ الإنسانُ إحساناً انتشلهُ من ضيعةٍ إلى قرارْ؟!!، فما بالكَ حينَ لم تكنْ شيئاً مذكورا، فكان أبواك سبباً لإيجادك إنسانا، عابداً وشكورا، وما بالكَ حين كنتَ في جوفٍ مظلمٍ أخرسٍ، فأوصلَ الله لك حبلاً دقيقاً يلهمَك من دمِ أمّكَ وإرادتها، وما بالكَ حين كنتَ لاتقدرُ أن تُلقِم فمكَ فتسدُّ الجوع الخانق لمعدتك، أو تنظّف وسخكَ المتجرثمَ على بَدَنِكْ، أو تعالجَ أنّةَ علّة كمشتْ على جسدِك، فهيأ اللهُ لكَ قلبين حانيين يخاطرانِ من أجلكْ، ولأجلكَ فقط، فيسهرانِ لتنامْ، ويسقمانِ لتشفى، ويجوعان لتشبعَ، ويعريانِ لتكسى .. وربما اكتأبا لتسعد وتهنأ.
أكانَ أحدٌ ينجيك من ذلك لولا تلكَ التضحيةُ الشاقة، والفدائية المستميتة ؟! فحريٌ بكَ إن علمت هذا إذلال ناظريك عند رؤيتهما, وخفض جناحيكَ بين يديهما, وكبحِ فوضويتك وتوقيرهما, وإسباغ الدعاء عليهما، حييَّن كَانَا أو في قبريهِما، وإنْ خرجتَ للناسِ عكستَ نُبْلَ تربيتهما، فيُقالُ بعدَها: إنَّ فُلاناً أحسنَ التأديبَ والتعليمَ، فتكونُ وجهاً نَضِراً ومُشْرقاً لشيخوخةِ وجهيهما.
فإذا فعلت ذلكَ (تكاملَ المجتمعُ) وهدأتْ تلاطماتُه، وصَلُحَ فَاسِدُه وتعاضدت تشرذماته، عندها تسير حركة الحياةِ سيراً مطمئناً يُفتِّقُ الازدهارَ، ويسارعُ وتيرةَ الربحِ والانتصار.
mangol