وجه
هنا ستجدونه عاريا ...
إلا من جوعه .. ووجعه !
فـ .. دثروه .. دثروه !
الإهداء ..
إلى أجمل أميرة دمشقية .. وآخر نساء بني أمية !
كم من العمر مضى ؟ وكم من الحزن بقي ؟!
ليته يعرف ..
تطويه السنين .. والحنين كالدم في الشرايين .. لا يفارقه إلا نزيفا !
( الشوق كالشوك .. والقلوب حافية .. والدروب ممتدة .. ممتدة ) .
رغم السنين الممحلة .. والدروب الموحلة
مازال يذكر ...
بيتا شعبيا قديما بين ثقوب جدرانه وجد طائر الدوري لسربه .. عشا وسكنا .
( علمه طائر الدوري .. بالحب تصير الجدران أشجارا ) .
وغرفة قصية ..
كان بها ..
له فِراشا .. وأحلاما فضية
كثيرا حَلِم ...
بـ .. صبية .. عيناها أغنية
وضفيرتها أرجوحة ..
من شفتيها تشرب عصفورة .. وعلى ستائر حجرتها تغفو نجمة ..
كثيرا حَلِم ...
حين يكبر .. ستصير الريح جواده .. والبرق سيفه !
ويوما ما سيلقى حتفه .. في سبيل العقيدة
وستبكيه .. ذات الضفيرة
( حين كَبِر .. أُلغِيت كل مشاريع الشهادة وأحلام البطولة ... بـ مرسوم ملكي ! ) .
رغم الرياح الشمالية .. ولَسع " المربعانية " ..
مازال يذكر ..
مرازيم خشبية .. كانت تجعل من المطر في عينه كرنفالا لاتينيا ..
مئذنة مسجد .. تَنبُتُ مثل شجرة مباركة وارفة السكينة .. ولا يعرف لماذا .. كان دوما يراها حزينة ؟!
وأضواء حوانيت عتيقة .. كانت تناديه همسا .. كريح خفية تجوس بين الضلوع !
رغم أضواء المدن الجديدة .. لم ينطفيء قلبه
مازال يذكر ..
هناك كل شيء كان جميلا ..
أعمدة النور كانت نخيلا ..
المصابيح .. أعذاق رطب
والرصيف .. ضفاف نهر
وشباك ذات الضفيرة .. كعش طائر الدوري
كان غصنا وثمارا .. رغم الجدار !
( كان قلبه عصفورا .. ) .
رغم المطار .. وطعنة جواز السفر ..
مازال يذكر ..
أنه قبل الرحيل .. جمع كل التفاصيل الحميمة ..
وجوه أصحابه ..
طباشير مدرسته ..
دفاتره الصغيرة .. وأقلامه ..
باب منزلهم ..
" سدرة " جيرانهم ..
رائحة المطر ..
حزن الشبابيك ..
وأغنيتين .. !
رتبها في الحقيبة .. !
لكن الحقيقة .. كانت أكبر من الحقيبة !
( كيف نُعدم الذاكرة .. أو نزيد مساحات الحقائب ! ) .
رغم الجروح الكثيرة .. والضلوع الكسيرة ..
مازالت ذات الضفيرة .. تجتاحه بين الحين والحين
في الليالي المقمرة .. والممطرة
يتراءى له منها .. العين والثغر
في الدوائر التي يرسمها المطر ..
إذا لامس الأرض وانتحر !
البارحة ..
كل أحزان المدينة ..
صَبت في صدره .. نهرا
وكل الوجوه القديمة ..
لاحت في عينه .. سهرا
يا وحشة الدروب .. وقلة الرفاق
كم من العمر مضى ؟ وكم من الحزن بقي ؟
أم ..
كم من العمر بقي ؟ وكم من الحزن مضى ؟
ليته يعرف ..
ليته يعرف ..
كَبِر يا ذات الضفيرة .. كَبر ..
وبعد أن يطويه الثرى ..
وتَنبت على قبره أعشاب برية ..
يعلم يقينا ..
ستبكيه امرأة ما .. في مكان ما ..
بعد فوات الأوان ..
بعد فوات الأوان
&&&&&&&&&&&&&&&&